حمل قوقل كروم لتصفح الموقع بشكل سريع

الخميس، 30 أكتوبر 2008

السياسة و الدولة

السياسة هي رعاية شؤون الامة داخليا و خارجيا, وتكون من قبل الدولة و الامة , فالدولة هي التي تباشر هذه الرعاية عمليا , والامة هي التي تحاسب بها الدولة .
ورعاية شؤون الامة داخليا من قبل الدولة تكون بتنفيذ المبدأ في الداخل, وهذه هي السياسة الداخلية .

و اما رعاية شؤون الامة خارجيا من قبل الدولة فهي علاقتها بغيرها من الدول والشعوب و الامم , ونشر المبدأ الى العالم , وهذه هي السياسة الخارجية .

وفهم السياسة الخارجية امر جوهري لحفظ كيان الدولة و الامة , و امر اساسي للتمكن من حمل الدعوة الى العالم , وعمل لا بد منه لتنظيم علاقة الامة بغيرها على وجه صحيح .

ولما كانت الامة الاسلامية مكلفة بحمل الدعوة الاسلامية الى الناس كافة, كان لزاما على المسلمين ان يتصلوا بالعالم اتصالا واعيا لأحواله، مدركا لمشاكله , عالما بدوافع دوله وشعوبه , متتبعا الاعمال السياسية التي تجري في العالم , ملاحظا الخطط السياسية للدول في اساليب تنفيذها, وفي كيفية علاقتها بعضها ببعض , وفي المناورات السياسية التي تقوم بها هذه الدول , ولذلك كان لزاما على المسلمين ان يدركوا حقيقة الموقف في العالم الاسلامي على ضوء فهم الموقف الدولي العالمي ليتسنى لهم ان يتبينوا اسلوب العمل لإقامة دولتهم وحمل دعوتهم الى العالم . ومن هنا اصبح من المحتم عليهم معرفة الموقف الدولي معرفة تامة ومعرفة التفاصيل المتعلقة بالموقف الدولي والاحاطة بموقف الدول القائمة في العالم والتي لها شأن يذكر في الموقف الدولي العام .

غير انه ينبغي ان يكون واضحا ان الموقف الدولي لا يظل ثابتا على حال واحدة , فهو يتغير حسب تغير الاوضاع الدولية . وان موقف كل دولة من الدول لا يلزم حالة واحدة من ناحية دولية , و انما تتداوله حالات متعددة من ناحية القوة او الضعف ومن ناحية قوة التأثير او عدم التأثير, ومن ناحية تفاوت العلاقات القائمة بينها وبين الدول , واختلاف هذه العلاقات. لذلك كان من غير الممكن اعطاء خطوط عريضة ثابتة للموقف الدولي , و اعطاء فكرة ثابتة عن موقف اي دولة من الدول القائمة في العالم . وانما يمكن اعطاء خط عريض عن الموقف الدولي في فترة ما , مع تصور امكانية تغيير هذا الموقف. واعطاء فكرة معينة عن موقف اي دولة في ظروف ما مع ادراك قابلية تبدل هذا الموقف , ولهذا كان لا غنى للسياسي من ان يتتبع الاعمال السياسية القائمة في العالم, وان يربطها بمعلوماته السياسية السابقة , حتى يتسنى له فهم السياسة فهما صحيحا , وتتأتى له معرفة ما اذا كان الموقف الدولي لا يزال كما هو , او تغير , وحتى يتأتى له ادراك موقف كل دولة ومعرفة ما اذا كان هذا الموقف قد بقي على حاله , ام طرأ عليه تغيير.

وتغيير الموقف الدولي تابع لتغيير موقف بعض الدول من حال الى حال . اما بقوتها , او بضعفها , واما بقوة علاقتها بالدول , او بضعف هذه العلاقة , فينتج حينئذ تغير في الميزان الدولي, لحصول تغير في ميزان القوى القائمة في العالم . ولذلك كان فهم موقف كل دولة من الدول التي لها تأثير في الموقف الدولي اساسا لفهم الموقف الدولي. ومن هنا كانت العناية منصبة على الاحاطة بمعلومات عن كل دولة, لانها الركيزة الاولى للفهم السياسي. وليست معرفة موقف كل دولة متعلقة بموضعها في الموقف الدولي بل هي متعلقة في كل شيء له علاقة بسياستها الداخلية والخارجية . ومن هنا تحتم معرفة الفكرة التي تقوم عليها سياسة الدول القائمة في العالم , والتي لها شأن يذكر في الموقف الدولي , ومعرفة الطريقة التي تنفذ بها هذه الفكرة حتى يتعين الموقف الذي ينبغي ان تقفه الامة الاسلامية منها . كما انه يتحتم ان تعرف الخطط التي ترسمها هذه الدول لسياستها والاساليب التي تستعملها , وان تقترن معرفة الخطط والاساليب بالتتبع الدائم لها , وبادراك مدى تغييرها, وبالوعي على الدوافع التي حملت على تغييرها , او الاسباب التي اضطرت هذه الدول لتغيير الخطط والاساليب, مع المعرفة الصحيحة بالاشياء التي تؤثر على هذه الدول وتحملها على تغيير خططها واساليبها .

اما الفكرة التي تقوم عليها السياسة فهي الفكرة التي تبنى على اساسها علاقتها بغيرها من الشعوب والامم . فالدول التي لا مبدأ لها تعتنقه تكون الافكار لديها مختلفة متباينة , وفيها قابلية التغير , ومثل هذه الدول ينطبق عليها بحث الخطط والاساليب السياسية , ولا ينطبق عليها بحث الفكرة السياسية . اما الدول التي لها مبدأ تعتنقه فان فكرتها ثابتة لا تتغير , وهي نشر المبدأ الذي تعتنقه في العالم بطريقة ثابتة لا تتغير مهما اختلفت الاساليب وتغيرت , وينطبق عليها بحث الفكرة السياسية .

وعلى هذا الاساس يجب ان ينظر الى الدول القائمة في العالم اليوم على اعتبار ان لكل واحدة منها فكرة اساسية لعلاقتها بغيرها من الشعوب والامم , ثابتة او غير ثابتة , ولها طريقة خاصة لتنفيذ هذه الفكرة , ثابتة او غير ثابتة , وعلى ضوء فكرتها وطريقتها ترسم الخطط ,‎وتتبع الاساليب , على وجه يساعدها على تحقيق غايتها. غير ان الدول القائمة في العالم اليوم تطلق العنان لنفسها بالاساليب . فتتبع اي اسلوب يحقق الغرض , ولو خالف الطريقة , وتسير على قاعدة : (الغاية تبرر الواسطة ) .

ومهما يكن من امر, فان جميع الدول ترسم خططا سياسية تتغير حسب الحاجة , وتتبع اساليب تختلف وتتعدد حسب الاوضاع .
والدول في عملها السياسي , انما ترعى مصالح الامة , وتقيم علاقتها بغيرها حسب هذه المصالح .‎الا انها تختلف في ذلك اختلافا كبيرا , فالدولة التي لا تحمل مبدأ معينا تجعل المصلحة وحدها العامل المؤثر في علاقاتها الدولية , اما الدولة التي تعتنق مبدأ معينا وتحمله للعالم , فانها تجعل المبدأ عاملا فعالا في علاقاتها الدولية , وتجعل المصلحة التي يعينها المبدأ عاملا مساعدا في هذا السبيل , ولذلك كان لزاما ان تعرف الدولة من حيث الافكار التي تعتنقها هل هي دولة تعتنق مبدأ او لا تعتنق اي مبدأ, وحينئذ تعرف العوامل التي تؤثر في علاقاتها الدولية . وبما ان المبدأ هو الذي يؤثر في الدولة التي تعتنقه , وبالتالي يؤثر في العلاقات الدولية , وفي الموقف الدولي , كان لزاما ان تعرف المبادىء التي تسود العالم اليوم , وان يعرف مبلغ تأثير كل واحد منها في السياسة الدولية اليوم , ومدى امكانية تأثيره في السياسة الدولية في المستقبل , فتفهم حينئذ على ضوء هذه المبادىء وعلى مدى تأثيرها في الحاضر والمستقبل العلاقات الدولية .

واذا نظرنا الى العالم نجده تسوده ثلاثة مبادىء فقط , هي: الاسلام والشيوعية والرأسمالية , وتعتنق كل مبدأ منها مئات الملايين من البشر , الا ان الاسلام ليست له دولة في الوقت الحاضر , ولذلك لا نجد له اي وجود في العلاقات الدولية , ولا في السياسة الدولية ولا في الموقف الدولي , وبالطبع لا يوجد له اي اثر في السياسة الدولية التي تسود العالم اليوم , اما المبدأن الاخران , فان لكل واحد منهما دولة بل دولا متعددة ولذلك كان لهما الاثر في العلاقات الدولية, وفي الموقف الدولي , وفي السياسة الدولية التي تسود العالم اليوم , وكان من اثرهما ان انقسم العالم الى معسكرين: شرقي وغربي , فكانت في المعسكر الشرقي مجموعة كبيرة من الدول التي تعتنق الشيوعية وعلى رأسها روسيا, وكانت في المعسكر الغربي مجموعة كبيرة من الدول التي تعتنق الرأسمالية وعلى رأسها امريكا .

0 commentaires: