- الفلسفة و العلم
- الأطروحة: انّ الفلسفة هي الإطار الذّي فيه تكتسب المعرفة العلميّة قيمة و معنى.
- الأطروحة المستبعدة: انّ قيمة العلم رهينة تخلّصه من كلّ تصوّر ميتافيزيقي يتجاوز مستوى الوقائع ( الموقف الوضعي لأوغيست كونت ).
- الإشكالية: هل من ضرورة للفلسفة في زمن العلم ؟ بمعنى آخر، هل تسمح شروط الموضوعيّة للعلم بالارتقاء إلى مستوى الكونيّة و الكلّية، بحيث يكون قادرا على أن يلبّي طموحات الإنسان و انتظاراته ؟ أم أنّ استكمال النّشاط العلمي، في كشفه عن الحقيقة، بممارسة فلسفيّة تتطلّع إلى المعنى و الغاية هو الذّي يجعله أكثر إنسانية ؟
- تفكيك عناصر التّحليل:
1. 1. التّصوّر الوضعي للعلاقة بين الفلسفة و العلم.
2. 2. تآلف الفلسفة و العلم و ارتباط الحقيقة بالمعنى.
- التّحليل:
- 1. 1. التّصوّر الوضعي للعلاقة بين الفلسفة و العلم:
- v v قانون الحالات الثّلاثة:
اعتبر أوغيست كونت أنّ مسيرة الفكر الإنساني مرّت بمراحل ثلاثة، أولاها المرحلة اللاّهوتيّة التّي كان يقوم فيها بإرجاع كلّ ظواهر الطّبيعة إلى قوى غيبيّة و خارقة تتحكّم فيها، و ثانيها المرحلة الميتافيزيقيّة التّي كانت تعكس حسبه مراهقة العقل البشري، و المرحلة الأخيرة التّي من خلالها اكتمل و نضج الفكر الإنساني، و هي المرحلة الوضعيّة أو المرحلة العلميّة التّي تميّزت بإقصاء كلّ الاعتبارات الدّينيّة و الفلسفيّة في محاولة فهم الطّبيعة، إذ وقع التّنبيه، في إطار هذا التّوجّه الوضعي للعلوم الحديثة، إلى أنّ تكوين معرفة علميّة بالواقع لا يكون الاّ بالانفتاح على ما يقوله الواقع فعلا، أي دون إسقاط اعتبارات ذاتيّة، قيميّة، كيفيّة تتجاوزه و تتعالى عنه. و لا يكون ذلك الاّ باتّباع منهج تجريبي يضمن الرّجوع دوما إلى الواقع، فيحقّق بذلك موضوعيّة نتائج المعرفة العلميّة.
- v v استتباعات التّصوّر الوضعي على تحديد موضوع العلم:
من نتائج هذا الموقف أن وقع التّمييز بين " نظام الوقائع " و " نظام القيم ". فنظام الواقع هو ما يسعى العلم إلى الكشف عنه بالاستناد إلى التّكميم و التّرييض و التّجريب، بينما نظام القيم يعكس جانب الاعتبارات الذّاتيّة و الأخلاقيّة و الجماليّة التّي تحول ( هو عائق إذن ) دون الكشف عن نظام الواقع الموضوعي.
لا تتناول العلوم الحديثة ( الوضعيّة ) بالدّرس نفس القضايا التّي كانت تطرحها الميتافيزيقا و التّي لم تفصل بين الموجود و المنشود، بين الواقع و الخير و بين الحقيقة و الفضيلة.
يترتّب عن ذلك نظرة اختزاليّة تعزل الواقع عن ما ينتظره الإنسان و ما يصبو إليه، و تفرض وجوب التّمييز بين الحقيقة ( تصدر عن ملاحظة الواقع بطريقة موضوعيّة ) و المعنى ( عالم الغايات و المقاصد الإنسانية ).
- v v حدود التّصوّر الوضعي للعلم:
لكن ألا يبقى هذا العلم بذلك آحاديّا و محدودا في تناوله لوقائعه ؟ فبإمكاننا، استنادا إلى المعرفة العلميّة المعاصرة، أن نكوّن فهما دقيقا و موضوعيّا بكيفيّة اشتغال الطّبيعة، و أن نستمدّ من هذه المعرفة قوّة و سلطة تكنولوجيّة على الأشياء. و لكن ألا تكون هذه القوّة التّي يمنحنا إياها العلم عمياء و وحشيّة في غياب رؤية أكثر شموليّة تستوعب لا قضايا الواقع الكمّي فحسب بل كذلك مشكلات القيمة و الفعل الإنسانيين؟
- 2. 2. تآلف الفلسفة و العلم و ارتباط الحقيقة بالمعنى:
في مقابل المنظور الوضعي الذّي يفصل بين الفلسفة و العلم، تقرّ فينومينولوجيا هوسّرل، أنّ العلم يظلّ بلا قيمة و بلا معنى بالنّسبة للإنسان، إن هو لم يتأطّر ضمن رؤية أشمل و أوسع تتّصف بالكونيّة و الكلّية، و هي الرّؤية الفلسفيّة التّي تفتح الخطاب العلمي على ما يتجاوزه ألا وهو عالم المعيش الإنساني و عالم التّاريخ الذّي لا يمكن اختزاله في ما هو كمّي و ما هو رياضي و ما هو موضوعي.
صحيح أنّ العلم الحديث يلتصق بفضل منهج صارم بالواقع، و لكنّه لا ينجح في هذا الاقتراب من هذا الواقع الموضوعي، الاّ إذا ابتعد و انفصل، من جهة أخرى، عن واقع آخر أكثر أصالة و هو الواقع المعيشي بالنّسبة إلى الإنسان الذّي لا مكان، في إطاره، للفصل بين الذّاتي و الموضوعي و بين الموجود و المنشود.
و لعلّ هذا هو سبب أزمة العلوم الأوروبّية، التّي تحوّلت في نظر هوسّرل إلى علوم بدون قيمة و بدون معنى في إطار هذا المنظور الوضعي الذّي يفرض عليها إقصاء كلّ ما له علاقة بجوانب الإنسان الذّاتيّة و بانتظاراته الأخلاقيّة و الجماليّة.
لا مجال لتجاوز هذه الأزمة الاّ إذا اكتمل المشروع العلمي بمشروع فلسفي يستحضر مقاصد الإنسان و غاياته و يساعد على توجيه العلم نحو تحقيق مزيد من الإنسانية بالنّسبة إلى الإنسان.
و قد استشهد الكاتب، في هذا النّص، بمثال الفلسفة الدّيكارتيّة التّي قامت بمحاولة تأليفيّة للمعرفة الإنسانية في كلّ تجلّياتها و أشكالها، و ذلك بأن أسّستها على أرضيّة فلسفيّة. فالحكمة عند ديكارت لا تستدعي إقصاء للفلسفي كما هو الشّأن بالنّسبة إلى أوغيست كونت. و الحكمة كذلك ليست آحاديّة، أي تتناول جانبا واحدا من الواقع و تقصي جوانبه الثّريّة الأخرى. بل هو عنده شجرة جذورها الميتافيزيقا، جذعها الفيزياء و فروعها الطبّ و الميكانيكا و الأخلاق.
و بذلك يتّضح أنّ وحدة المعرفة هذه تعكس وحدة العقل نفسه الذّي لا يمكن أن نفصل في إطاره بين العلمي و القيمي.
و تشكّل الفلسفة الدّيكارتيّة، في هذا الصّدد، مثلا أعلى تحاول فينومينولوجيا هوسّرل اتّباعه في محاولتها التّأليفيّة بين فروع المعرفة الإنسانية سواء كانت فلسفيّة أو علميّة.
انّ الحقيقة العلميّة تظلّ غير إنسانية و وحشيّة و غير أخلاقيّة إن هي لم تتحدّد ضمن مشروع فلسفي يرسم رؤية متكاملة للكون و لمقاصد الحياة الإنسانية أي للمعنى.
0 commentaires:
إرسال تعليق