أصبحت لوسائل الاتصال والتواصل أهمية بالغة في وقتنا الحاضر، يمكن تسخيرها في مجالات متعددة. وكل وسيلة من الوسائل المبتكرة حاليا، تصبح متجاوزة لاحقا نتيجة التطورات السريعة في المجال العلمي والتكنولوجي، لكنها سلاح ذو حدين، إما نستغله إيجابا أو سلبا.
وعندما نصف عصرنا هذا بعصر السرعة: السرعة في التنقل والاتصال ونقل المعلومات والبضائع ونشر المعرفة والأخبار، يبقى المشكل في عالمنا المتعثر والمتخلف، هو التبعية وتلقي الصدمات، دون مناعة تمكننا من السير في الاتجاه الصحيح.
وإذا كان القرن التاسع عشر قد تميز بسلطة المال والقرن العشرين بسلطة المعرفة، فإن القرن الحالي سيتميز بسلطة تدبير المعرفة والمعلومات، اعتمادا على ما ابتكرته التكنولوجيا العالية. وأصبحنا نتحدث عن التدبير الآلي للمعلومات " Informatique " كما تحدث الغرب في القرن التاسع عشر عن الصناعة الميكانيكية، التي حررت نسبيا الطاقة البشرية والحيوانية بصناعة آلات تعتمد على مصادر طاقة جديدة.
ولعل التدبير الآلي للمعلومات سيحرر العقل البشري من القيام بعدد من العمليات المعقدة وفي وقت وجيز، مما سيسهل عليه عمليات البحث والابتكار.
وفي بلادنا، نحاول الإطلاع على ما ابتكره الغرب في مجال التكنولوجيا العالية، ليحقق استمرار تفوقه وهيمنته، ونسمي ذلك الإطلاع بالاستئناس والمسايرة والمواكبة لركب التطور، لكن كثيرا ما نبقى في مستوى المظاهر وليس الفعل.
وعندما لا نستطيع التحكم في توجيه الآلة الوجهة الصحيحة، تصبح خطرا على الفرد والمجتمع، وتكرس التخلف، باعتبار المتحكم الحقيقي فيها هو المبتكر، وبالتالي يتحكم فينا وفي توجهاتنا وحتى في لغة التواصل بيننا.
وعلى سبيل الاستئناس لا الابتكار، نلاحظ في الكثير من الكتابات والمنتديات والخطابات، التأكيد على أهمية الوسائل التكنولوجية في التنمية وتطوير القطاعات المختلفة، دون التأكيد بنفس الأهمية على العنصر الفاعل وهو الإنسان.
وعدم الاهتمام بالعنصر البشري والإقرار بأهمية دوره، إما في التنمية أو تكريس التخلف وتنميته، تبقى الآلة عبارة عن صورة مستوردة لمظاهر التطور، تطور الآخر: المبتكر والفاعل. أما المستورد أو المستهلك، دون تكوين يكسبه نوعا من المناعة تحميه من هيمنة الجوانب السلبية، يبقى مستهدفا ويكرس تخلفه انطلاقا من طبيعة تعامله مع هذه الوسائل التكنولوجية الحديثة.
- ومن مظاهر تعاملنا مع هذه الوسائل منذ أواخر القرن العشرين، نلاحظ ثلاثة توجهات رئيسية، يعس كل واحد منها أنواعا من السلوكات تجاهها:
- التوجه الأول: يتجلى في إرادة التحديث والتطوير ومعالجة المعلومات بطرق ووسائل حديثة. ويتمثل أساسا في القطاعات المالية خاصة الأبناك، التي قامت بإعادة تكوين موظفيها، أو بعضهم في مجال تدبير المعلومات حسب برانم خاصة. لكن المواطن أو الزبون بحكم تخلفه – مع استثناء الأمية الكلاسيكية رغم ارتفاع نسبتها في مجتمعنا – لعدم مواكبة التكوين للتطور، أصبح يتعامل بمظهر المتخلف، بل يؤكد تخلفه حين يحصل على البطاقة الممغنطة من البنك ولا يستطيع استعمالها في الشباك الأوتوماتيكي. وحتى الذين يستطيعون – بحكم تكوينهم – يقومون بتعداد أوراقهم المالية ليشهدوا الشباك على صحة الحساب. وإذا كان لا يستجيب لطلباتهم، إما لعطب ما أو لأن الخط الرابط بين المؤسسات البنكية مشغول، يقومون بشتمه وضربه أحيانا، رغم أنه مجرد آلة وضعت لتحقيق أهداف محددة. وتتميز باللباقة في إشاراتها المبرمجة للزبون مثل: مرحبا بكم في شباكنا، انتظر من فضلك...الخ
- التوجه الثاني: يكرس الواقع المتخلف انطلاقا من تخوفات مختلفة. ويتمثل أساسا في القطاعات العمومية. لأن هذه القطاعات دأبت على استعمال الورق، وموظفوها اقتنعوا بل تيقنوا بأن مهامهم بعد الترسيم تحددت بشكل مطلق في استعمال نفس التدابير والأساليب ونفس الأوراق والأقلام في عملهم. وأحسن مثال على هذا التوجه هو أن بعض المسؤولين أكد في دجنبر 1999، عندما كان الموظفون وزبناء الأبناك متخوفين من عدم توصلهم برواتبهم بسبب ما راج من أخبار حول مشكلة الحواسيب في الانتقال من 1999 إلى 2000 (BUG)، صرح بأن إدارتنا لن تتعرض لأي مشكل لأنها لا تستعمل الحواسيب بشكل كبير وتعتمد على الأوراق في الأشياء المهمة. وعلق معلق أنذاك على التصريح، بأنها مزية من مزايا التخلف. وكانت أنذاك بعض الإدارات قد وضعت خططها لأي احتمال ممكن، نذكر منها الخطوط الجوية الملكية والمكتب الوطني للكهرباء بتنسيق مع دول أجنبية.
- الاتجاه الثالث: ويتمثل في إرادة تحديث القطاعات المختلفة، لكن تعترضه عدة مشاكل، مصدرها ثقافي تكويني بالدرجة الأولى. ويمكن إدراج بعض الأمثلة للدلالة على ذلك؛ فعلى مستوى الإدارة العمومية، تمكنت عدة وزارات من إنشاء مواقع على شبكة الأنترنيت، وبعضها الآخر ما زال بدون موقع. وحتى التي أنشأت موقعا، يبقى تحديثه متعثرا، إن لم نقل منعدمان فتصبح معلوماته في إطار التاريخ. فعندما نتصفح صفحات أحد هذه المواقع الرسمية، نجد معلومات قديمة. مثل موقع وزارة الاتصال: www.mincom.gov.ma نجد الحديث عن الجهات وتقسيماتها الإدارية تجاوزها الزمن بعد توحيد بعض العمالات في إطار وحدة المدينة.
0 commentaires:
إرسال تعليق