هناك خلاف بين علماء الاجتماع في أفضلية سكن المدينة أو القرية، الأولى لأنها مركز الحضارة و المدنية، ولحصول الإنسان فيها على وسائل الرفاه، وتمكنه من التقدم إلى مدارج الكمال، والثانية لقلة المشاكل والضوضاء فيها، ولسلامة البيئة عن التلوث، ولقلة الأمراض، بل ولطول الأعمار.
ولكل وإن كان وجهة نظره، إلا أن القول الأول أقرب إلى الصواب لمن له قدرة المقاومة، فإن التقدمية التي جبل الإنسان عليها ـ لا تحصل في القرية.
- وحسب الاختلاف المتقدم، فقد اختلفت الآراء إلى:
1 ـ هدم القرية وتكبير المدينة، وذلك بتشويق أهل القرية للهجرة إلى المدينة:
أ ـ إيجابياً بالدعاية ونحوها.
ب ـ بإهمال القرية حتى ينسحب أهلها تلقائياً مع توفير الإمكانيات للمدينة لاستيعاب أهل القرية.
2 ـ تقليل أهالي المدينة، وتكثير القرية، وتكبير الموجودة من القرى بما لا يخرج عن كونها قرية بمحسناتها، والعمل على العكس من الأول حيث تشجّع الدولة الهجرة إلى القرى، وتوفر بعض الحوائج، وتسهّل أمور الاستيطان فيها.
3 ـ تمدن القرى بإيصال بعضها ببعض، وتحصيل الوسائل الكافية لها، حتى تكون مرحلة وسطى بين المدينة المعقدة وبين القرية البسيطة.
وعلى كل حال، اللازم الدقة الكاملة، لما هو الأصلح بحال الإنسان ـ حيث أنه المحور ـ في رفاهه وتقدمه، وبعد ذلك الشروع في التطبيق بما لا يوجب تزلزل أركان الاجتماع.
- الفوارق بين المدينة والقرية
وكيف ما كان، فالفروق الأساسية بين المدينة والقرية هي:
- 1 ـ المدينة أكثر ناساً بخلاف القرية.
- 2 ـ روابط الأفراد في المدينة عادية، بينما الروابط في القرية شديدة، وهكذا معاداة أفراد المدن بعضهم لبعض ضعيفة بينما معاداة أفراد القرية شديدة والسر أن كثرة أعمال روابط فرد المدينة لا تدع له مجالاً لشدة الولاء، أو شدة العداء بخلاف القرية.
- 3 ـ سعة مجال العمل والزواج والانضمام إلى الجمعيات والمؤسسات في المدينة دون القرية.
- 4 ـ قوة العلم والدين والأخلاق والآداب في المدينة، لكثرة المدارس والمعلمين والوعاظ والمربين في المدينة دون القرية.
- 5 ـ كثرة الأمراض ويسر العلاج في المدينة، وبالعكس من الأمرين القرية، حيث تلوث البيئة في المدينة أكثر والطب والوسائل الطبية فيها أكثر بخلافهما في القرية.
- 6 ـ تعقد النفس في المدينة دون القرية، وذلك لأن كثرة الروابط وتناقضها، وشدة الطبقية وكثرة الحرمان في المدينة توجب ذلك، والقرية ليست كذلك.
- 7 ـ سهولة المعاملات، وعدم التدقيق في أمرها في المدينة، وذلك لأن كثرة الشأن فيها لا يسمح بالدقة، بخلاف القرية حيث قلة الشأن فيها فتكون مسرحاً للدقة.
- 8 ـ ضعف مراقبة الأهل والأولاد في المدينة، وشدتها في القرية، إذ سعة المدينة من ناحية، وكثرة شغل الإنسان فيها من ناحية ثانية، تجعل الأولاد ونحوهم بمنأى عن عين الأب والأم، ثم إن أشغالهما يمنعان من المراقبة الدقيقة وبالعكس من كلا الأمرين القرية.
- 9 ـ في المدينة الدخل أكثر والأرباح أوفر، بخلاف القرية، وذلك من جهة ارتفاع مستوى المعيشة في المدينة دون القرية من ناحية، ومن جهة وجود النقد أكثر في المدينة مما يجعله أكثر ابتذالاً، وبالعكس من ذلك القرية.
- 10 ـ التحرك الاجتماعي في المدينة عمودياً وأفقياً، حيث مختلف المؤسسات، ومتفاوت الدرجات، فيتمكن الإنسان أن ينتقل من وظيفة إلى وظيفة، كما يتمكن أن يصعد من مرتبة نازلة إلى مرتبة رفيعة، وأحياناً بالعكس وليس كذلك القرية، ولذا يكون هناك الجمود.
- 11 ـ أخطار المدينة أكثر من حيث السرقة، والسطو، والاختطاف، والدهس وغيرها، حيث كثرة السيارات، وتنوع الناس، وإمكانية المفسد من الاختفاء، في بحر الناس بخلاف القرية في كل ذلك.
- 12 ـ كثرة الفساد في الـمديــنــة من زنا ولـــواط واستعمال المخدرات ونـــحوها بخلاف القرية، وذلك للأسباب التي تقدمت في بند (11).
- 13 ـ زيادة الحر والبرد في القرية لقلة العائق لهما من الأبنية والعمارات بخلاف المدينة لكثرة العائق، ولذا يمكن الاستفادة من الطبيعة أكثر من القرية من المدينة.
- 14 ـ تشتد النزاعات القومية والطائفية والعرقية وغيرها في القرية دون المدينة، وذلك لأن المدينة بحضارتها الكثيرة ترقق من المشاعر وتعطي رؤية أوسع، بخلاف القرية في ذلك.
- 15 ـ تجعل القرية أفرادها أبعد عن عين الحكومة ومتناولها، حيث تضعف أجهزة الحكومة في القرية، وحيــــث القرابة والصداقة الشديدة في القـــرية، مما يستر بعضهم على بعض، وليس كذلك المدينة، ولذا تشد القرية من إزر التنظيمات المناوئة للحكومة…
ولا يخفى أنه تختلف المدن والقرى الساحلية، والجبلية، والغابية، والسطحية في بعض تلك الجهات، كما أن حركة التهريب في الساحلية، والحرب في الجبلية والغابية، وغيرهما تختلف اختلافاً كبيراً، كما أن المدن الصناعية تختلف عن غيرها من بعض الحيثيات المتقدمة، وكذلك بالنسبة إلى القرية.
2 commentaires:
this is no important
موقع مفيد
إرسال تعليق