يمر عمل السينوغرافي بمجموعة من المراحل حتى يستوي في شكل عرض سينوغرافي يحمل رؤية إخراجية جمالية وفنية متكاملة ومنسجمة، وتتمثل هذه المراحل في قراءة النص الدرامي مع الممثلين لمعرفة سياق المسرحية ومكوناتها الدلالية والجمالية والمرجعية أثناء القراءة الطاولة أو القراءة الإيطالية، ويعقب ذلك مرحلة النمذجة أو الصياغة التخطيطية عن طريق تقديم نماذج تمثيلية تعبر عن تصور سينوغرافي سريع للعرض في شكل رسم أولي"كروكي/ الموديل الأولي/Croquet " الذي سيصبح مادة للحوار بين السينوغرافي والمخرج عبر مناقشة التصور – المشروع، ومعرفة تمفصلاته البنيوية والجمالية والمشهدية، وقد يؤدي هذا الحوار الثنائي إلى موافقة تامة أو إضافة بعض التفاصيل والرتوشات أو تغيير بعض المكونات التي قد لاتخدم التصور الموجود لدى المخرج. وبعد أن يوافق المخرج على الكروكي ينتقل السينوغرافي إلى عملية هندسة الديكور وتأثيث الخشبة عن طريق وضع الماكيت Maquette الذي يبين ديكور المسرحية في كل تفصيلاتها الجزئية اعتمادا على سلم هندسي مصغر يختصر على الورقة المنظور المكبر لديكور المسرح. وعليه، أن يراعي هذا النموذج طبيعة المسرح الذي سيعرض فيه العمل، و يتأكد من مقاساته جيدا ويختبر خشبته ومساحاتها التواصلية عرضا وعمقا وطولا وارتفاعا ليبني ديكوره على ضوء ذلك الفضاء الهندسي.ومن ثم، تأتي مرحلة التنفيذ والعمل وترجمة ماهو مخطوط على الماكيت على أرض الواقع ، ونسميها مرحلة بناء الديكور والترجمة العملية والممارسة الميدانية ، ويتحول عمل السينوغرافي في هذه المرحلة إلى ورشة عمل من نجارين وخياطين وتشكيليين ومصممي أزياء وتقنيي الكهرباء والموسيقا وواضعي الماكياج.هذا، ويرسم السينوغرافي رسومات التأثيث حسب المشاهد والفصول، فيمكن أن يحافظ على ديكور ثابت طوال المسرحية كلها، ويمكن له أن يغير الديكور والمناظر حسب كل فصل أو يغيرها حسب كل مشهد درامي.ومن الأفضل أن يضع السينوغرافي خطة للعمل المعروض دراميا عن طريق تقسيم المسرحية إلى فصول وترقيمها بأرقام عددية، وبعد ذلك يتم تقسيم الفصول إلى مشاهد متعاقبة ومترابطة ترابطا عضويا عن طريق المونتاج، وتحديدها بالأرقام والعناوين.
وبعد ذلك، يضع هذا الفنان مكوناتها السينوغرافية من خلال التركيز على الديكور، والأثاث، والعلامات البصرية السيميوطيقية، وجدارية الفوندو، والإكسسوارات ، والماكياج، والأزياء، والإضاءة، والمؤثرات الصوتية والموسيقية، والكوليغرافيا الجسدية، وتقسيم الخشبة وملء ركحها بالمؤثرات المشهدية. وتوضح الدكتورة مليكة لويز في كتابها:" الديكور المسرحي " طرائق بناء الديكور المسرحي من مرحلة الفكرة إلى مرحلة تنفيذها ركحيا:" يأخذ فنان المشاهد المسرحية الرسومات الخاصة بالمشهد الذي يعمل من أجله. ومهما كان مقياس الرسومات فهو ينقلها إلى المقياس الذي اختاره لعمل الموديل، وكقاعدة عامة يطبق فنانو الديكور مقياس الــ3سم لكل متر نظرا لأنه بعد التجارب اتضح أن هذا المقياس مناسب لتنفيذ الديكورات سواء أكانت المشاهد كبيرة أم صغيرة.ويقوم فنان المشاهد المسرحية بعمل قاعدة من الكونتربلاكيه تمثل خشبة المسرح بكل التفاصيل الخاصة بها: مقدمة المسرح ومؤخرته والأجزاء الجانبية. وبين برواز تحديد المناظر والبانوراما يقام المنظر الذي يتم تخطيطه وتركيب أجزائه حسب الرسومات المدروسة والمطابقة تماما. ثم يدهن كل جزء من أجزاء الديكور بألوان الجواش التي يعطيها الفنان نفس الاهتمام المطلوب لتنفيذ الديكور الفعلي." ومن بين طرق العمل التقريبية لرسم نماذج سينوغرافية أولية الرسم على لوح من الزجاج من خلال وضع لوحات من الكارتون لتجسيد كل مكونات العرض المسرحي فضائيا.وبعد الصياغة والتنفيذ، لابد أن يقدم السينوغرافي نظرته الشخصية إلى العمل ، وأن يترك بصماته المميزة فنيا وجماليا، وأن يضيف إليه أشياء كثيرة من تجاربه الذاتية والموضوعية.
ويعني هذا أن يكون السينوغرافي دراماتوجيا مبدعا ومجتهدا، بعيدا في عمله عن السطحية والمباشرة كالسينوغرافي الحرفي أو السينوغرافي المنفذ الذي يهتم بتفسير النص وشرحه وتوضيحه. وعليه، فالسينوغرافيا هي بمثابة فن جليل " يرسم التصورات من أجل إضفاء معنى على الفضاء. والسينوغرافي الذي ينتج هذا الفن يجمع بين تقنية الديكور، والإضاءة والأزياء، فيشكل من معطياتها، وفق رؤية موحدة، تكوينات بصرية- مشهدية تنطوي على علامات مكانية وزمانية ذات قدرة على التوليد الدلالي، أو الدال على ماوراء الدلالة الحقيقية من دلالة ثقافية إضافية (إيحائية)."
- مرجعيات السينوغرافي:
يستند السينوغرافي إلى مجموعة من المراجع لوضع خطاطاته ونماذجه في رسم الديكور وتصويره، ومن بين هذه المصادر نذكر: النص الدرامي بحواراته اللفظية المباشرة علاوة على الإشارات الركحية الإخراجية التي يوجهها المؤلف للمثل والمخرج والمتلقي والسينوغرافي ، وغالبا ما توضع بين قوسين أو تكتب بخط بارز ، وتحدد الفضاء الدرامي وحالة الممثل وتشخص كل العناصر السينوغرافية المتعلقة بالإضاءة والموسيقا والأزياء والإكسسوارات والديكور والأثاث، وتشكل هذه الإرشادات ما يسمى بالنص الفرعي، بينما الحوار يشكل ما يسمى بالنص الأساسي.. كما يعتمد السينوغرافي على ملاحظات الممثلين وتوجيهات المخرج ونصائح تقنيي الإضاءة والموسيقا وآراء الحرفيين في ميدان النجارة والخياطة والتشكيل والتصوير والنحت.ومن هنا، يمتح السينوغرافي عمله التأثيثي من مرجعيات عدة يمكن حصرها في الفوتوغرافيا والفنون التشكيلية وفنون الإضاءة وهندسة الصوت والديكور وبناء المناظر والإلمام بفنون الأزياء والماكياج والكوليغرافيا والتصوير والميكانيك والإعلاميات الرقمية.
تلكم نظرة موجزة عن مفهوم السينوغرافيا الذي انتقل في مساره التاريخي من الزخرفة والتزيين مرورا بالعمارة والمنظور وفن بناء الديكور والمناظر لتصبح السينوغرافيا بمثابة مسرح الصورة.وقد بينا مجموعة من الوظائف الأساسية التي تستند إليها السينوغرافيا ، ولعل أهمها هو تأثيث الخشبة بالمناظر والديكور والصور السمعية والبصرية وتفسير المسرحية دلالة وسياقا وجوا ومقصدية.وأبرزنا مجموعة من الأنواع من السينوغرافيا الدرامية فذكرنا: السينوغرافيا الكلاسيكية، والسينوغرافيا الرومانسية، والسينوغرافيا التجريدية، والسينوغرافيا الباروكية، والسينوغرافيا السريالية، والسينوغرافيا العابثة، والسينوغرافيا الفانطاستيكية، والسينوغرافيا التراثية وهلم جرا.وأثبتنا بعد ذلك أن وضع
0 commentaires:
إرسال تعليق