يقول ميشيل فوكو بأنه بالنسبة للسجن لا معنى للاكتفاء بالخطابات عن السجون، وإنما ينبغي الانتباه أيضا إلى ما هو صادر عن السجون نفسها من قرارات و أنظمة داخلية ، فالتصدي المعرفي لمؤسسة السجن يستوجب تحليلا عميقا لأنظمتها وأبنيتها الداخلية، ورصدا واقعيا لما يعتمل في أعماقها من ظواهر وحالات تنأى في الغالب عن السواء بهدف قراءتها في سياقها الخاص واستخلاص دروسها العقابية، خصوصا وأن أنظمة السجون قد تلعب دورا كبيرا في إفساد السجين بدلا من تقويم أخلاقه، وأن هذه الأنظمة مهما قيل أنها موضوعة على أسس علمية صحيحة قد تزيد السجين فسادا على فساد . فالسجون بصفة عامة، وبالرغم من كونها تنادي بالإصلاح و التهذيب والعلاج إلا أنها لا تزال – إلى درجة كبيرة – تمثل معاقل لمرتكبي الجرائم، بهدف تحقيق هدف أو أكثر من الأهداف المتمثلة في جدوى العقاب، وهي الردع العام والخاص، وإبعاد الجاني عن المجتمع، تفاديا لمخاطره مستقبلا، أو من أجل الانتقام والتشفي . فالسجن مؤسسة اجتماعية عقابية إصلاحية في آن وفقا لإطاره المرجعي، وإن كانت – المسافة – تكون بعيدة في غالب الأحيان بين الخطاب المؤطر للعقاب السجني والممارسة اليومية لاشتغال المؤسسة.
ويعتبر نظام سجن بنسلفانيا أول نظام عقابي دشن مقاربة الإصلاح باعتماد نظام التعليم والتكوين الحرفي والفصل بين النساء والرجال، وكذا تصنيف السجناء تبعا لخطورتهم الإجرامية. وخلال مطلع القرن العشرين ستتواصل الإصلاحات التي تستهدف نظام السجون التي تراوحت بين مؤسسات مغلقة وأخرى شبه مفتوحة إلى الدرجة التي جعلت بعض المفكرين والمناضلين الحقوقيين يتبنون الدعوة إلى إلغاء العقاب السجني والاكتفاء ببعض العقوبات البديلة التي تفيد من تكنولوجيا العصر.
إن السجون بأنظمتها وأبنيتها تختزل تاريخا من العقاب والضبط الاجتماعي، وللوصول إلى أقصى الضمانات التي تحمي المجتمع من ظواهر الإجرام والانحراف، فقد عرف النظام السجني تطورا ملحوظا في أشكاله وبنياته، ويمكن في هذا الإطار التمييز بين مجموعة من الأنظمة:
• النظام الجمعي: وهو الذي ظل معمولا به في بداية القرن التاسع عشر ويقوم أساسا على أسلوب الجمع بين المحكوم عليهم خلال فترة تنفيذ العقوبات السالبة للحرية، مع تقسيمهم إلى فئات يجمع بين أفرادها تشابه الظروف مثل فئة الأحداث والنساء والرجال، ويعتبر هذا النظام من أقدم الأنظمة وأبسطها .
• النظام الانفرادي: ويطلق عليه أيضا اسم "بنسلفانيا" نسبة إلى مدينة تحمل نفس الاسم بالولايات الأمريكية، و قد عملت به سنة 1821، ويتأسس هذا النظام على إلزام المحكوم بالسكن بمفرده في زنزانة خاصة، ولا تسنح الفرصة للسجين للتلاقي مع باقي السجناء إلا في فرص نادرة، ولكن هذا النظام لم يسلم من الانتقاد لأنه يحرم النزيل من حقه في العلاقات الاجتماعية، حيث يتم فصله بشكل تام عن البيئة الخارجية مما يؤدي إلى خلق شخصية انطوائية .
• النظام المختلط: ويسمى أيضا بنظام "أوبيرن" نسبة إلى سجن "أوبيرن" في ولاية نيويورك، وقد طبق هذا النظام في القرن 19 وهو يجمع بين النظامين الجمعي والفردي، بحيث يحقق للسجين حياة اجتماعية، يتحقق فيها الإنفراد والاجتماع الإنساني أيضا.
• النظام التدريجي: ويعرف أيضا بالنظام الأيرلندي، لأنه انتشر على يد المصلح الإيرلندي " كروفتون" krofton و أخذت به بعض الدول الأوربية، وتطبقه آنا فرنسا بالنسبة للعقوبات الطويلة الأمد . وبموجب هذا النظام فإن العقوبة تنفذ على مراحل متعددة، تبدأ بالشدة ثم تميل إلى المرونة واللين مع تطور سلوك الجانح وانخراطه في مسلسل الإصلاح، ويؤخذ على هذا النظام أن الانتقال من مرحلة قاسية إلى مرحلة أخف منها قد يؤدي إلى زوال الآثار التهذيبية التي حققتها المرحلة الأولى .
وفضلا عن ذلك فإن تقسيم السجون يتنوع تبعا لشكلها وطريقة اشتغالها، وفي هذا الصدد نصادف السجون المغلقة، والمفتوحة وشبه المفتوحة.
o السجون المغلقة: وتعمل على عزل الجانح في فضاء مغلق يتميز بالعنف والرقابة الشديدة، ويكاد يبين ذلك في القضبان الحديدية والأسوار العالية والحراسة المشددة، ويعد هذا النوع من أكثر الأنواع شيوعا في عصرنا الحالي.
o السجون المفتوحة: وهي تعمل بنظام مفتوح يستبدل شروط الرقابة المادية والعسكرية بموانع نفسية تقوم على إقناع الجانح بالحاجة إلى المؤسسة العقابية للإصلاح والتأهيل الاجتماعي، لكن ما يعاب على هذه السجون هو أنها تغري بالفرار وتقلص أحيانا من الوظيفة الردعية للعقوبة.
o السجون شبه المفتوحة: وهو نظام يجمع بين الشكل المغلق والمفتوح، فهو محاط بالأسوار لكن الحراسة مشددة ويعد اللجوء إليه تدبيرا وقائيا وإصلاحيا، حيث يودع به بعض الجانحين الذين يكونون مؤهلين للإصلاح وإعادة الإدماج .
لكن وبالرغم من كل الأشكال والأنظمة التي باتت تميز المؤسسة العقابية فقد تعالت الأصوات الحقوقية مؤخرا من أجل تحسين وتجويد خدماتها في أفق إلغائها والوصول إلى اعتماد العقوبات البديلة لمقاومة الجنوح ، لكن هل يمكن فعلا إلغاء المؤسسة العقابية؟ وهل يمكن الاستغناء عن وظيفتها الردعية؟
لقد أبرز إميل دوركهايم وهو يؤسس لسوسيولوجيا الجنوح أن السجن يعد ضرورة اجتماعية لتفعيل مقتضيات الضبط الاجتماعي وحماية معايير العقل الجمعي، ذلك أن هذه المؤسسات التي تؤدي وظيفة الضبط هي التي تضمن استمرار الشريط المجتمعي وتكرس حضوريته في النسق العام، ولهذا نفهم جيدا كيف تحظى هذه المؤسسات باهتمام قوي لدى مالكي وسائل الإنتاج والإكراه في نسق سوسيوسياسي ما، ونفهم جيدا أيضا كيف استطاعت هذه المؤسسات أن تجذر مكانتها وتقوي أنظمتها بالرغم من الإفلاس الوظيفي الذي يعتريها في كثير من الأحيان. و منه نقول بأن نظام السجون مغربيا قد جاء ليخدم مصالح الضبط الاجتماعي، وإنزال العقاب بمن يخرج عن القيم والمعايير التي ارتضاها العقل الجمعي.
إن تاريخ السجون بالمغرب هو تاريخ العقاب وهو تاريخ الجنوح والإجرام، ولهذا فقد ارتبط وجود هذه المؤسسة العقابية بالوجود الأول لمظاهر التجمع والتضامن الاجتماعي. إلا أن نشوء السجون بمفهومها الحديث سيرتبط بحقبة الاستعمار وهي الفترة التي كان فيها السجن عموما مختصا في تقليم أظافر المقاومة المغربية وقص أجنحتها فضلا عن حماية مصالح المستعمر وتأكيد قوته المادية والرمزية.
إلا أن هذا لا يعني مطلقا أن ظهور المؤسسة العقابية قد ارتبط فقط بالفترة الاستعمارية، لأن السجن كمكان عقابي كان حاضرا وفي مختلف المراحل التاريخية التي مر منها المغرب، إلا أنه بأشكاله ومعاييره الجديدة فهو "ابن شرعي" للاستعمار الأجنبي بل إنه ظل يعمل تنظيميا بفحوى الظهائر والنصوص القانونية التي تعود إلى هذه الحقبة ، و ذلك إلى غاية سنة 1998، فقبل صدور قانون 98/23 المتعلق بتنظيم المؤسسات السجنية، فإن هذه الأخيرة كانت تعمل بظهيري 1916 و 1930.
لقد عرف المغرب نظام السجن منذ زمن بعيد، وقد كانت هذه المؤسسات قريبة من المحاكم ويسهر على تسييرها أمناء معينون من طرف المخزن، وعلى سجون النساء ما كان يسمى "بالعريفة"، وكان يقوم على مبدأ التكافل والتضامن حيث كان يقدم لهم الطعام والكسوة والغطاء ، وخلال فترة الحماية كانت السجون المغربية تابعة لإدارة الأمن ومصنفة إلى صنفين: الأول مخصص للمغاربة، والثاني للفرنسيين والأجانب، وبالطبع فالوظيفة الإصلاحية كانت مغيبة بالمرة، لأن السجن حينها كان يختص في تدعيم الوجود الإمبريالي وقص أجنحة المقاومة.
أما بعيد الاستقلال فقد ألحقت إدارة السجون بوزارة العدل وأنيطت بها مهمة تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية السالبة للحرية وبالأمر بالاعتقال الاحتياطي، وقد ظلت تعمل بمقتضيات ظهيري 1916 و 1930 إلى حدود صدور 98/23 الذي يعتبره الكثيرون قفزة نوعية في تطور مؤسسة السجون بالمغرب. وذلك بالنظر إلى الحقوق التي جاء بها لفائدة السجين، وإن كان هناك من يرى بأن هذا القانون ما كان له أن يكون لولا إكراهات تلميع الصورة على المستوى الدولي، وكأن الأمر يتعلق باستجابة موضوعية لضغوطات المنظمات الدولية المهتمة بحقوق الإنسان، وهذا ما يفسر الصعوبات التي تعترض تنفيذ هذا القانون وحماية حقوق السجناء وتكريس مبدأ الحق والقانون. ويتوزع تنظيم المؤسسات السجنية بالمغرب حسبما هو مشار إليه في المادة الثامنة من القانون المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية رقم 98/23، وفقا للشكل التالي:
السجون المركزية
السجون الفلاحية
السجون المحلية
مراكز الإصلاح والتهذيب
ويتوفر المغرب حاليا على 49 مؤسسة سجنية، تضم سجنا مركزيا وحيدا بالقنيطرة وأربع مؤسسات فلاحية و 42 سجنا محليا ومركزين للإصلاح والتهذيب، ويقدر عدد السجناء المودعين بها ب 58 ألف سجين في حين تشير تقارير بعض المنظمات غير الحكومية إلى وجود أزيد من 80 ألف سجين . وتشير تقارير مديرية السجون وإعادة الإدماج إلى أن هناك أزيد من 15 مؤسسة سجنية سترى النور في نهاية سنة 2004 . وبما أن ظهــيري 1916 و 1930 المتعلقين بتنظيم السجون قد أصبحا متجاوزين منذ زمن طويل، فقد اتجهت الجهود إلى إصدار قانون جديد يرمي بالضرورة إلى :
o عقلنة وتنظيم المؤسسات السجنية
o تغيير المنظور التقليدي للمؤسسات السجنية من حيث الوظيفة
o الحفاظ على أمن المؤسسة وسلامة وكرامة السجين والمعتقل
o تجديد مفهوم السياسة العقابية قصد إعادة إدماج السجين في المجتمع
ويمكن تلخيص ذلك كله في محاولة التوفيق بين معادلة العقاب وكرامة الإنسان، بمعنى إقصاء مفهوم الانتقام واستحضار دور المؤسسة السجنية كعامل إصلاحي وكمؤسسة للتأهيل والتكوين من أجل إعادة الإدماج .
إن قانون 98/23 صدر في سياق حقوقي مختلف، وجاء أيضا بعد حوالي 80 سنة من العمل بقانون كانت تهدف من ورائه سلطات الحماية إلى تعزيز مكانتها وإحكام السيطرة، حيث كان نزلاء السجون يعيشون تهميشا تفرضه النظرة الدونية التي يحملها لهم المجتمع، الشيء الذي جعل من إعادة النظر في هذا الإطار القانوني ضرورة ملحة لتنظيم السجون وتحديد علاقات الفاعلين في الفضاء السجني وتقنين الإمكانيات المخولة للسجناء وإلى جانب هذا كله كانت هناك مراهنة أخرى على تغيير فلسفة العقوبة، ذلك أن العقوبة الجنائية بالمغرب أصبحت تتوخى حماية المجتمع وإصلاح الجانحين لتطويق ظاهرة العود . ويتكون هذا القانون الجديد من تسعة أبواب تتعرض لمختلف المسائل التي تخص تسيير وتنظيم المؤسسة السجنية، وتتوزع هذه الأبواب على ما يلي: المؤسسات السجنية، الضبط القضائي بالمؤسسات القضائية، تنفيذ الأحكام، الانضباط والأمن بالمؤسسات السجنية، الحوادث، علاقات المعتقلين مع الخارج، تدبير أحوال المعتقلين والعناية بهم، الخدمات الصحية، وأخيرا مقتضيات ختامية.
إن نبالة الأهداف التي فجرها هذا القانون، والتي لا يمكن الاختلاف بانضباط الكثير منها لخلفية حقوقية تنهل من المواثيق الدولية لحقوق الإنسان والشروط الدنيا لمعاملة السجناء وغيرها من الصكوك الدولية في هذا الجانب، إن ذلك كله لا يمنع من التساؤل عن مدى تطبيق هذه الأهداف والمبادئ الحقوقية في الفضاء السجني، والتساؤل أيضا عن الإكراهات التي تسيج هذا التطبيق.
إن السجون المغربية آنا تعيش على "إيقاع صفيح ساخن" وتطوقها المشاكل من كل جانب، وهي ذات المشاكل التي تحد من فعالية وظيفتها الإصلاحية. فقد خلصت منظمة مرصد السجون المغربية في دراسة أجرتها حول 44 مؤسسة سجنية إلى أن أغلب المؤسسات تعاني من الاكتظاظ الشديد ويقضي فيها السجناء فترات عقوبتهم في ظروف سيئة وغير إنسانية، فضلا عن انتشار ظاهرة الفساد بين القائمين على نظام إدارة السجون والتي تنتشر فيها أعمال العنف والأمراض والإساءات الجنسية التي تستهدف الكبار والصغار . فالمشاكل التي يعرفها السجن المغربي كثيرة جدا، وهي ذات اتصال وثيق بما يعتمل في النسق المجتمعي عموما، لأن أزمة السجن ما هي إلا مرآة لأزمة المجتمع، وذلك بحكم الترابط الوظيفي بين كافة الحقول والبنيات المجتمعية، فالسجن هو حقل مجتمعي يلتفح بما يتفاعل داخل الحقول الأخرى ، و ما يتفاحش فيه من ظواهر و حالات اجتماعية ما هو إلا صورة مختزلة للصراعات و الرهانات التي تؤطر المجتمع عموما ، ويمكن القول بأن هذه المشاكل تصب جميعها في هذه النقاط الثلاث :
- السياسة الجنائية: إذا كانت السياسة الجنائية تصبو بالأساس إلى وضع حد للجريمة عن طريق الجزاء والعقاب، فإنها باعتماد عقوبة السجن كخيار مركزي تغدو مساهمة في إعادة إنتاج الجنوح وتوسيع دوائر انتشاره في صفوف المجتمع، ولهذا فقد بات من الضروري العمل بمبدأ العقوبات البديلة، وعدم الاكتفاء بالعقوبات السالبة للحرية في مواجهة الجريمة، بالإضافة إلى التخلي على الاعتقال الاحتياطي، وذلك بالطبع حسب نوع وخطورة الجريمة.
- الموارد البشرية: إن مديرية السجون تتوفر حاليا على5979 موظف يتوزعون على 49 مؤسسة سجنية ، و يؤطرون 58 ألف سجين حسب النشرة الإحصائية لمديرية السجون لسنة 2002،و هو ما يعني وجود موظف لكل عشرة سجناء تقريبا ، أي أن الكفاف التأطيري حاضر بامتياز ، لكن بالنظر إلى سوء توزيع هؤلاء الموظفين ، و إلى اضطلاع الكثيرين منهم بالمهام الإدارية يتضح بجلاء أن عدد موظفي السجون لا يكفي بسد حاجيات السجناء ، هذا إذا اعتمدنا المقاربة الكمية في التحليل من جهة و إذا سلمنا بأن عدد السجناء فعلا هو 58 ألف سجين ، فماذا لو اعتمدنا رقم 80 ألف الذي تؤكده تقارير العديد من المنظمات غير الحكومية الوطنية و الدولية ؟
و باعتماد نظرة كيفية مغايرة نخلص إلى أن هناك فقط حوالي 30 موظفا من مجموع موظفي السجون هم الذين تلقوا تكوينا في إعادة تربية الجانحين ، كما أن نسبة قليلة منهم هي التي تتوفر على مستويات تعليمية جامعية، كما ينضاف مشكل تدني المستويات التعليمية والمهارات المهنية لدى غالبية موظفي السجون إلى تدني الأجور وغياب الحوافز والتعويضات بالرغم من المخاطر اليومية التي تواجههم في عملهم، وهذا ما يؤدي بالتبعية إلى تدني درجة الوظيفي لديهم وتدهور المناعة الأخلاقية اتجاه إغراءات السجن، حيث يصير الموظف العامل بالسجن في خدمة من يدفع أكثر، ويصير الضمير المهني بذلك في آخر الاهتمامات، واتصالا بهذا كله نتساءل بإلحاح : إذا كان كل هذا الاستنفار الأمني والحراسة المشددة عند مداخل السجون وخارجها فكيف تلج المخدرات والخمور وباقي الممنوعات إلى أعماق السجن؟
إن قانون 98/23 يفترض في موظف السجن أن يكون ملما على الأقل بمبادئ أولية في علم الإجرام وعلم النفس وعلم الاجتماع وملما أيضا بقواعد المسطرة الجنائية، وأن يكون، وهذا هو الأهم، متشبعا بأبسط قواعد حقوق الإنسان، فلا ينبغي أن يميز في المعاملة بين المعتقلين بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو الجنســـية، أو الدين أو الرأي أو المركز الاجتماعي، وأن لا يستعمل العنف ضد المعتقلين، ولا يخاطبهم بألفاظ مهينة أو بذيئة ، ويفترض في هذا الموظف بوجه عام، أن يكون ملما بما يمكنه التمييز بين المعتقلين وتصنيفهم، وقواعد الضبط القضائي وحقوق و واجبات السجين، وأن يكون أيضا على إلمام بالتنشيط الثقافي والتربوي والرياضي... وأن يهتم بالعناية الروحية والفكرية، وأن يكون متشبعا بحقوق الإنسان وفي الآن ذاته حارس أمن وضابط شرطة قضائية. وقاضيا تأديبيا وبنكيا ومساعدا صحيا واجتماعيا، وأن يكون أجره الشهري هو 1600 درهم ويعمل في ظروف سيئة جدا . إن الوضع العام لأغلب موظفي السجون، لا يؤهلهم لبلورة الأهداف النبيلة للقانون، سواء بالنظر إلى التــكوين أو الظروف المادية وتدهور شروط العمل.
- البنيات التحتية: هناك حاليا49 مؤسسة سجنية يحل بها 58 ألف سجين حسب الأرقام الرسمية و 80 ألف حسب تقديرات المنظمات غير الحكومية، علما بأن مجموع الطاقة الاستيعابية لكل هذه المؤسسات السجنية لا تتجاوز 25 ألف سرير في أحسن الأحوال. ففي سنة 1989 مثلا بلغ عدد نزلاء السجون ما مجموعه 32.589 بينما الطاقة الاستيعابية لمجموع السجون كانت تنحصر في 17.878. إن وضعا كهذا تنجم عنه مشاكل كثيرة تأتي على رأسها مشكلة الاكتظاظ والتي تتفرع عنها بالضرورة مشاكل أخرى مرتبطة بالعنف والأمراض والاغتصاب وما إلى ذلك من الظواهر الباثولوجية التي تميز عالم السجن. وبالإضافة إلى محدودية الطاقة الاستيعابية لهذه المؤسسات، فإن بنياتها التحتية تظل هشة ومفتقرة لأدنى شروط الكرامة، وتظل أيضا بعيدة عن المواصفات التقنية الإنسانية والصحية، فأغلب السجون تستوجب الإغلاق أو الإصلاح والترميم حتى تكون أكثر استجابة للمعايير الدولية لحقوق الإنسان.
إن هذه المشاكل المتصلة بالموارد البشرية والبنيات التحتية والسياسة الجنائية لا تمثل في مجموعها إلا عناوين بارزة لإشكالات أخرى أكثر قوة وتأثيرا في الفضاء السجني وأساسا في وظيفة الإصلاحية المؤجلة، والتي تجعل منه مؤسسة لإعادة إنتاج الجنوح بدل تطويقه وتخليص المجتمع من مساوئه وكوارثه.
عن مقال: السجون المغربية : إعادة الإدماج أم إعادة إنتاج الجنوح
عبد الرحيم العطري باحث في علم الاجتماع من المغرب.
عبد الرحيم العطري باحث في علم الاجتماع من المغرب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق